أخر الاخبار

ما الذي حدث للغواصة "تيتان" ؟ و هل أخفقت التكنولوجيا في انقاد الغواصة؟

ما الذي حدث للغواصة "تيتان" ؟ و هل أخفقت التكنولوجيا في انقاد الغواصة؟

ربما سمعت في وسائل الإعلام أو قرأت في إحدى الجرائد عن الغواصة " تيتان"، الغواصة التي أصبحت حديث العالم، كان العالم مترقبا مصيرها في الأيام الأخيرة، حتى جاء الخبر المفجع و انتهت قصة الغواصة الشهيرة  بنهاية مأساوية. فما الذي حدث للغواصة "تيتان"؟ و كيف بدأت القصة من الأساس؟ و هل اخفقت التكنولوجيا في انقاذ هذه الغواصة ؟

حتى نعرف كيف حدث هذه الكارثة، يجب أن نعود بالزمن إلى الوراء.

بداية القصة 

بدأت القصة في 10 أبريل  من عام 1912، عندما قررت أكبر سفينة في العالم أنداك، "آر إم إس تيتانيك"، أن تبحر من لندن إلى نيويورك عبر المحيط الأطلسي. و كانت "تيتانيك" في ذلك الوقت  أعظم سفينة تم تصميمها في العالم، وقد حظيت بدعاية هائلة في جميع أنحاء العالم بأنها سفينة لا تغرق، وأعظم سفينة في العالم، و من شدة عظمتها، كان يُقال "القدر بنفسه لن يستطيع اغراقها". هذا  الصيت الهائل الذي حظيت به سفينة تيتانيك تسبب في حجز عدد كبير جدًا من الركاب على متن السفينة، وكانت تقسيمة الركاب إلى فئتين، الفئة الأولى للأغنياء والفئة الثانية للفقراء.

كان من المقرر أن تحمل السفينة 3547 شخصًا، وتم حجز 2223 شخصًا على متنها، و لكنها كانت لا تحتوي على قوارب نجاة كافية، بحيث قوارب النجاة الموجودة كانت تسطيع حمل 1187 شخصًا فقط، مما يشير إلى ثقة كبيرة في أن السفينة لن تغرق أبدًا.

كان من قام بتصميم السفينة يعاني من نرجسية مفرطة تجعله يعتقد أن السفينة لا يمكن أن تغرق، وأنها صممت بالأصل لتتحدى الطبيعة، ولكن بعد  أربعة أيام من انطلاقها في 14 أبريل 1912 اصطدمت السفينة  بجبل جليدي عند الموقع 41°44' شمالا و49°57' غربا قبل منتصف الليل بقليل، مما أدى إلى غرقها بالكامل بعد ساعتين وأربعين دقيقة من لحظة الاصطدام في الساعات الأولى ليوم 15 أبريل 1912.  و مات  1517 شخصًا، بعضهم غرق والبعض الآخر تجمد بسبب درجات الحرارة المنخفضة جدا. في حين نجا فقط 706 أشخاص من السفينة، وهذا حدث بمعجزة، لأن تدافع الناس أثناء غرق السفينة كان مرعبًا، إلى درجة أنه على الرغم من قدرة قوارب النجاة على استيعاب 1187 شخصًا، إلا أنه نجا فقط 706 شخصًا.

في البداية، تم إعطاء الأولوية للسيدات والأطفال، حتى بدأت عمليات التدافع والاشتباكات وتمكن بعض الأشخاص من النجاة بأنفسهم، وهكذ انتهت  قصة أعظم سفينة في العالم.

سفينة تيتانيك كانت حديث العالم لسنوات طويلة، لم يكن هناك شخص في العالم لم يسمع بغرق سفينة تيتانيك، وحتى الآن لا يزال الحادث واحدًا من أسوأ الكوارث في التاريخ، فلا يوجد قوة حتى الآن تستطيع أن تخرج السفينة من قاع المحيط الأطلسي، حيث غرقت واستقرت على عمق 3800 متر.

في 1 سبتمبر من عام 1985  تم اكتشاف حطام سفينة التيتانيك من طرف الخبير و عالم المحيطات روبرت بارلاد، وذلك بعد 73 سنة من غرق السفينة. و في سنة 1997 تم إنتاج فيلم يروي قصة سفينة تيتانيك من إخراج، وكتابة، وإنتاج جيمس كاميرون و كان في دور البطولة كل من ليوناردو دي كابريو و كيت وينسليت. زاد الفيلم من شعبية سفينة التيتانيك، لذلك أصبح حلم زيارة حطام التيتانك يراود الجميع. من أجل تحقيق هذا الحلم ظهرت عدة  رحلات استكشافية تقوم باستعمال غواصات استكشافية بالنزول إلى أعماق المحيط لاستكشاف حطام سفينة التيتانيك.

معايير تصميم الغواصات

 إن تصميم أي غواصة للغوص إلى أعماق البحر يجب أن يستوفي عدة عوامل، اهمها قدرة الغواصة على تحمل الضغط، فكلما تعمقت الغواصة تحت الماء زاد الضغط. لذالك يجب أن تكون الغواصة مصممة بمواد قوية تتحمل الضغط لتجنب الانفجار في الماء. بالإضافة إلى ذلك ليس جميع المخلوقات البحرية قادرة على  الغوص إلى  مسافات عميقة تحت الماء، يعني هناك كائنات قادرة على تحمل الضغط أثناء الغوص في  المسافات العميقة، وهناك كائنات لا يمكنها الغوص في تلك الاعماق السحيقة.

لذلك، عندما نتحدث عن حفرة أو خندق  ماريانا و هي أعمق نقطة في سطح الكرة الأرضية (تقع في غرب المحيط الهادي إلى الشرق من جزر ماريانا الشمالية و يبلغ عمقها 11 ألف متر)، يجب عليك أن تفهم أنه لا يوجد كائن حي قادر على العيش في هذا العمق إلا بعض الكائنات التي لم  يتم اكتشافها بعد، ولكنها كائنات ميكروسكوبية.

الغواصة "تيتان" 

في الآونة الأخيرة، أعلنت شركة "Ocean Gate "، التي يمتلكها المليونير البريطاني ستوكتون راش Stockton Rush ، عن رحلة إلى أعماق المحيط الأطلسي لاستكشاف حطام التيتانيك الذي يرقد على عمق 3800 متر. هذا الرقم يعد تحديًا كبيرًا بلا شك. تعلن الشركة عن رحلتها باستخدام غواصة خاصة تم تجهيزها للغوص في عمق مثل هذا، وتدعى الغواصة "تيتان Titan". 

تم تصميم الغواصة لتحمل ضغط المياه العالي، وصُممت لتكون قادرة على استيعاب خمسة أشخاص فقط، بما في ذلك الغواص المسئول عن تحريكها والمدير التنفيذي، بالإضافة إلى ثلاثة زوار سيشترون تذاكر للانضمام إلى هذه الرحلة المذهلة. وتأتي تذكرة هذه الرحلة بثمن باهظ قدره ربع مليون دولار (250 ألف دولار) ، مما يجعلها أغلى تذكرة  في العالم. و بالفعل، تم حجز ثلاثة تذاكر من قبل ثلاثة من أبرز المليارديرات في العالم، رجل الأعمال الباكستاني شاه زادة داوود (48 عام) برفقة ابنه سليمان زادة داوود (19 عام) و الملياردير البريطاني هيميش هاردينغ (58 عام)، و كان هؤلاء الثلاثة برفقة كل من  القبطان الفرنسي بول هنري نارجوليه (77 عام) والأمريكي ستوكتون راش مالك الغواصة والمؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "Ocean Gate" المنظمة للرحلات.  بعد مرور أقل من ساعتين ( بالضبط ساعة و 45 دقيقة) من بدء الرحلة، حدثت كارثة. و لا احد يعلم بالضبط ماذا حدث، حيث انقطع الاتصال بالغواصة و رغم محاولات عديدة لعدة ساعات للاتصال بالغواصة مرة أخرى، الا أن هذه المحاولات باءت جميعها بالفشل.

فرضيات تفسر ماذا حدث للغواصة "تيتان" 

تم تقديم عدة فرضيات  تفسر  سبب فقدان الاتصال بالغواصة، أهمها إمكانية حدوث تيار كهربائي قد أدى إلى قطع الاتصال بالغواصة، أو أن قوة التيار المائي الشديدة تسببت في انحراف الغواصة عن مسارها. ومع ذلك، يبقى السؤال، حتى إذا افترضنا أن الاتصال قد انقطع، هل يمكن للغواصة التي يقودها غواص ذو خبرة استمرت لمدة 20 عامًا في أعماق عديدة أن تبقى محاصرة في عمق المحيط؟ 

يجب ملاحظة أن الغوص في عمق 3800 متر هو مهمة مجنونة، ففي هذا الجزء من المحيط، سستعرض الغواصة لضغط هائل يمكن أن يفجر الغواصة في أي لحظة. ولكن، وفقًا لما قيل، تم تصميم الغواصة "تيتان" لتحمل هذه الضغوط العالية. ومع ذلك، هناك شيء مهم يجب أن نعرفه، وهو وجود ظاهرة تسمى "الانبجار" "Implosion" ( الانفجار نحو الداخل  أو الانفجار إلى الداخل) هو عملية تتعرض فيها الأشياء نتيجة انهيارها داخليًا أو تعرضها لضغط من خارجها إلى داخلها. على عكس الانفجار، يركز الانبجار على المادة والطاقة. غالبًا ما يتضمن الانبجار اختلافًا بين الضغط الداخلي (الأدنى) والخارجي (الأعلى)، أو القوى الظاهرة والباطنة، يكون كبيرًا جدًا بحيث تنهار البنية من الداخل من تلقاء نفسها. باختصار هي ظاهرة تعمل بالعكس من الانفجار، حيث يحدث انكماش داخلي للمواد في الغواصة بسبب الضغط الشديد، وهذا قد يؤدي إلى انفجار الغواصة من الداخل ويتسبب في انغلاقها في عمق المحيط الأطلسي، تمامًا مثلما حدث مع سفينة تيتانيك. وبالتالي، سيكون من المستحيل إخراجها. و بالتالي يشكل العمق الهائل في حد ذاته تحديًا، فضلاً عن الرؤية المحدودة والظلمة الموجودة في هذا العمق، حيث يصعب رؤية أي كائنات تتحرك حولك حتى على بعد مسافة قصيرة. 

كان هناك أمل ضئيل في انقاد الغواصة، حيث تمكنت مجموعة من الطيارات الكندية المجهزة من رصد أصوات متكررة تصدر من المحيط كل 30 دقيقة، أصوات خبطات قد تكون ناجمة عن ارتطام داخل الغواصة، أو ربما تكون ناجمة عن حطام السفينة التيتانيك الذي يتحرك في تيار المياه ويصدر صوتًا.

وصرح الدكتور (جيف كارسون) قائلاً: "من الممكن جدًا أن تكون الأصوات التي رصدناها مجرد أصوات وهمية أدت إلى انحرافهم عن مكان الغواصة الحقيقي". و بالتالي، يمكن أن تكون الأصوات غير مرتبطة بالغواصة، ولم يتمكنوا من تحديد موقعها بدقة. و أعلنت فرنسا أنها تمتلك روبوتًا يدعى "Victor 6000"،هو الوحيد القادر على الغوص إلى عمق 3800 متر وانتشال الغواصة.

تسبب عدم توفر معدات مجهزة للغوص في هذا العمق الهائل وانتشال الغواصة الى زيادة الوقت الطويل المستغرق في العملية، مما يجعل المهمة شبه مستحيلة. بالإضافة إلى ذلك مساحة المحيط الهائلة جدًا، ومن المرجح حدوث انحراف للغواصة وابتعادها عن مسارها الطبيعي. مع الوقت سيننفد الأكسجين من الأشخاص الخمسة الموجودين في الغواصة.

جرى البحث عن الغواصة بشكل مكثف، شارك في هذه الجهود العديد من الدول والمنظمات البحرية. تستخدم تكنولوجيا متقدمة مثل الأقمار الصناعية والروبوتات الغواصة للتنقيب عن الغواصة والعثور عليها في أعماق المحيط. على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه عملية البحث، إلا أن الجهود كانت  مستمرة و كان الجميع يأمل في أن يتم العثور على الغواصة وإنقاذ الأشخاص المحاصرين فيها قبل فوات الأوان.

كانت الرحلة مدتها ساعتين، وكان من المستحيل أن يكونوا يحملون ما يكفيهم من الطعام لمدة أربعة أيام. بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الدراسات التي تشير إلى أن نقص الأكسجين قد يتسبب في توليد هلاوس. تخيل معي خمسة أشخاص في وضع محدود لمدة أربعة أيام، مع قلة في الطعام والماء، وانخفاض مستوى الأكسجين، فإن ظهور الهلاوس قد يحدث ومن المحتمل حدوث صراع بينهم أو حتى قتال. 

لنفكر بشكل مختلف، كلما غطست في العمق، زادت المخلوقات التي تعيش في البحر رعبًا وافتراسًا . فالمخلوقات التي تتحمل الضغط والبرودة والظلام المرعب في هذا المحيط، يجب أن تكون مخلوقات مرعبة بحيث لا يمكن لعقلك البشري تصورها.

قد يكون هناك مخلوق تعرض للغواصة وتسبب في تدميرها، أو ربما كان هناك مخلوق قادر على كسرها. تخيل ان تظهر سمكة القرش الميجالودون فجأة من العدم وصدمت الغواصة ببساطة! ولكي تتخيل حجم ورعب سمكة القرش الميجالودون، فهي تعتبر واحدة من أنواع القروش العملاقة المنقرضة منذ 3.6 مليون سنة، حيث يصل طولها إلى 22 مترًا ووزنها إلى 45 طنًا، أي أنها تشبه بناءً من 7 طوابق. تخيل معي مخلوقًا بهذا الشكل يهاجم الغواصة؟ أعتقد أنه قادر على كسرها بأسنانه وأكل كل ما في داخلها!

نهاية الغواصة "تيتان"

بعد عدة محاولات للبحث عن الغواصة، أخيرا جاء الخبر من خفر السواحل الأمريكية، و كان الخبر صادما للجميع، حيث اعلن خفر السواحل الأمريكي مقتل جميع الركاب الخمس، و بالتالي كانت النهاية مأساوية.  جاء هذا الخبر بعد أن تم العثور على بقايا حطام الغواصة و أكد خفر السواحل الأمريكي  أن البقايا التي عُثر عليها تفيد أن الغواصة قد انفجرت من الداخل، حيث أدى الضغط الشديد الي انفجارها داخليا وانكماشها على من بداخلها، و بالتالي سيكون من المستحيل جذبها الي سطح الماء مرة أخري وبالتالي ستستقر الي الابد في أعماق المحيط الأطلسي بجانب السفينة الأم تيتانيك.

أخطاء قاتلة 

ووفقا لموقع "بيزنس إنسايدر" فقد ارتكبت "Ocean Gate" خمسة أخطاء رئيسية قبل البدء بالمهمة "المميتة": 
  1. هيكل الغواصة كان مصنوعا من ألياف الكربون،وهو اختيار خاطئ لتصميم غواصة تواجه ضغطا كبير في اعماق المياه، حيث يفضل أن يكون لها جسم مصنوع من مواد أقوى مثل الفولاذ أو التيتانيوم. و تم استخدام الياف الكربون لانها اخف وزنا و اقل تكلفة.
  2.  تجاهلت الشركة المصنعة لـ"تيتان" مرارا وتكرار مخاوف تتعلق بشأن نظام الإنذار المبكر في الغواصة. و بالرغم من ان شركة  "Ocean Gate" أنها طورت نظام مراقبة صوتي متطور مصمم للتحذير من حدوث عطل ما في الهيكل في الوقت المناسب واتخاذ إجراء المناسبة. لكن حذر رئيس العمليات البحرية السابق في الشركة ديفيد لوكريدج من أن نظام الإنذار هذا عديم الفائدة فعليا، لإنه ينطلق قبل أجزاء من الثانية من حدوث انفجار داخلي كارثي.
  3.  الشركة المصنعة رفضت أكثر من مرة دعوات أطلقت من أجل الحصول على شهادات ترخيص للغواصة. هناك احتمالات كبيرة ألا تتمكن الغواصة مطلقا من تجاوز أي اختبار صارم للسلامة وفقًا لمعايير الصناعة، على الرغم من أن الشركة جادلت في 2019 أنها لا تحتاج لمثل هكذا اختبارات.
  4. عمدت الشركة لطرد أو تجاهل تحذيرات أي موظف يثير المخاوف المتعلقة بسلامة الغواصة وفقا للموقع. ويضيف الموقع أنه بعد يوم واحد فقط من تقديم تقرير السلامة بشأن الغواصة، جرى استدعاء لوكريدج لاجتماع مع مدير الموارد البشرية في الشركة حيث أبلغ بأنه مطرود. لم يكن لوكريدج هو الوحيد الذي طرد من الشركة بسبب إثارته قضايا تتعلق بالسلامة، فقد تم التعامل بنفس الطريقة مع المستكشف والمستشار السابق في الشركة روب مكالوم الذي اعترض بشكل علني على محاولات الشركة المبالغة وتسريع عمليات الإنتاج.
  5.  لم تكن هذه المرة الأولى التي تتعامل فيها الشركة مع مشاكل في غواصاتها، وفقا لوثائق قضائية. يقول الموقع إن رحلة جرت في 2021 على تيتان توقفت بعد وقت قصير نتيجة مشاكل في البطارية اضطرت المشغلين لربطها يدويا بمنصة الرفع الخاصة بها. وذكر الصحافي بوغ، الذي حضر تجربة لتيتان في عام 2022، أن الاتصال بالغواصة فقد لعدة ساعات أثناء وجوده على متن سفينة الدعم. وكشفت بوغ أيضا أن الغواصة تفتقر إلى جهاز إرسال موقع الطوارئ، والذي من شأنه أن يرسل إشارات تسمح لعمال الإنقاذ بالعثور عليها.وهي خطوة غير صحيحة لمركبة مصممة للغوص في أعماق سحيقة في المياه، حيث يفضل أن يكون لها بدن مصنوع من مواد أقوى مثل الفولاذ أو التيتانيوم.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-